م. غسان كامل ونوس - أديب وكاتب سوري
1046
26th of February, 2020
ليس المقصود ارتفاع ضغط الدم، في الجسم؛ مع أنّه يرفع ضغط الدم!
ولا ارتفاع السكر؛ مع أنّه يضاعفه!
إنّه الكائن الذي ليس له رأي، ولا موقف؛ فهو بلا لون أو طعم أو رائحة..
تجده في كلّ مكان في المجتمع؛ في الأسرة، في المؤسّسة...
لا ظلّ له، وإن أطال المكوث؛ ليس لأنّه شفّاف؛ بل لأنّ الظلّ ملّه!
ولا وقع له، وإن يكثر من التنقّل؛ لأنّه يتحرّك بأوامر؛ بل تعليمات، أو إيحاءات؛ وربّما بنوايا الآخرين، وفي أيّ اتّجاه؛ أمّا كلامه، فبلا معنى، أو تتبدّل معانيه أو آراؤه؛ وهل له رأي؟! إنّها آراء الآخرين، وأفكارهم.. فهو لا يحتجّ، ولا يعترض، ولا يبادر، ولا ينافس، وتكون له مواقع مهمّة، ومناصب يسيل لها اللعاب؛ وهنا الطامّة الكبرى!
فهو وسيلة نافعة للنافذين، يختارونه براحة فكر، ويسوّقونه من دون تأنيب ضمير. وحين يتنافس أقوياء، قد يحصل على شتيت الأصوات؛ فيفوز بجدارة! وحين تتصارع القوى، كلّ يريد أن يختار واحداً من أتباعه، ولا يتّفقون على أوصيائهم المباشرين، يكون الخيار له؛ فهو جاهز رهن الإشارة والريح..
وحين يصبح في مواقع المسؤوليّة، لن يكون له صوت يُسمع؛ بل يَسمع جيّداً، ويردّد نغمات القبول التي يهواها من هم فوق، أو تحت، ويستسيغون ركوده وهدوءه و"استقرار" المؤسّسة في زمنه، الذي قد يمتدّ طويلاً، إن لم يُصعَّد إلى مرتبة أعلى؛ حيث يطيب له الرقاد، ويطيب لهم الاصطفاء! ومن الطبيعيّ، والبدهيّ أنّه لن يشجّع المبادرين، ولا الذين لديهم رؤية ثاقبة وأفكار سبّاقة؛ لعجزه عن مجاراتهم أو اللحاق بهم؛ ولن يسهّل أمور الأكْفاء، الذين قد تُظهر قدراتهم ضحالته؛ فالقزَم لا يفرح بعملاق جواره!
إنّه مؤشّر خطير، ودليل عجز وموات، حين ترى كثيرين من أمثال هؤلاء في مواقع مهمّة، أو يُقتادون إلى مسؤوليّات أكبر بالتعيين أو- وهو الأمرّ والأفظع- بأصوات ناخبين مثله، لا يملكون من إرادتهم وآرائهم شيئاً، ولا يبحثون عن علامات فارقة، تميّز حضورهم أو مشاركتهم، أو خياراتهم...
ويمكن أن تتساءل بحرقة عن الظروف والأسباب، والآليّة والإمكانيّة والغاية، لدى من يستطيعون إيصال من هم بلا كفاءة ولا مقدرة ولا رؤية ولا إرادة؛ إلى حيث يجب العمل على التطوّر والتقدّم والتغيير الإيجابي المأمول؛ لمعاينة الواقع، والتبصّر بالمستقبل، وحرق المراحل، وردم الفجوات الزمنيّة، وتعويض الخسائر الكارثيّة في مختلف المجالات والميادين...
ومن المؤكّد أنّ هذا الكلام لا يعني من يعملون بصمت وتفانٍ بلا ضجيج؛ خدمة للصالح العام، ويثابرون على جدّهم، ويقدّمون التضحيات؛ بالرغم من آلام الإهمال المقصود، الذي يدمّر؛ إنّهم الضحايا الحقيقيّون لذلك القاتل الصامت!
القاتل الصامت ليس حدّاً قاطعاً، لكنّه أصعب وأشدّ إيلاماً؛ وليس سلاحاً فردياً ذا أثر محدود؛ بل إنّ خطره أوسع وأشمل مكاناً وزماناً.. إنّه سلاح "بشريّ" أو "عدوّ حيويّ" فتّاك؛ إنّه جائحة أو وباء، يصعب رصده، وتستعصي مواجهته؛ فقد يُغلَّف بقشور وتزيينات، تخفي ما وراء الأكمة!
إنّ استشراء هذه الحالة لا يقلّ؛ إن لم يتجاوز في خطورته سيادة النافذين، وهيمنة المتنفّذين، الذين يجهرون بأفعالهم المخالفة للقوانين والأخلاق، غير هيّابين من مواجهة ومحاسبة؛ وهو يحتاج، في التصدّي له أو معالجته، إلى جرعات متّصلة من الوعي والقراءة السليمة المعمّقة لحقائق مرّة وغايات قاتمة، ويحتاج إلى التفكير الجادّ العاقل بحرص ومسؤوليّة لدى من يَختار، ومن يدلي برأيه أو صوته؛ ناسياً أو غافلاً، أو متغافلاً عن أنّه، بفعله هذا، يأتي بالدبّ إلى كرمه، أو يوجّه الطعنة إلى صدره؛ أو يدسّ السمّ في طعامه؛ فيتأخّر القتل إلى حين!