م. غسان كامل ونوس - أديب وكاتب سوري
1102
3rd of July, 2019
على الرغم من الكلام القديم الجديد المتجدّد، عن "مشاريع وهمم وعزائم" لمحاربة الفساد في المعاملات والدوائر الرسميّة؛ وعلى الرغم من حاجة الدولة، التي لا تحتاج إلى برهان، إلى مزيد من المداخيل والموارد؛ ولا سيّما بعد الحرب الظالمة على سوريّة، التي تمضي في سنتها التاسعة؛ على أمل خلاص قادم قريب منها ومن تبعاتها القاتمة... وعلى الرغم من الحديث في هذا الموضوع مراراً أمام مسؤولين كبارٍ وصغار وفي اجتماعات رسميّة موسّعة ومختصرةٍ... لم يتغيّر شيء، وبقيت أمارس قناعتي بمفردي؛ فيما أعرف، أو مع قليلين سواي! مع ما عهدنا، وفي مجالات أخرى أكبر وأوسع وأخطر ربّما، من استهزاء أو سخرية أو تعجّب منفّر، أو إشفاق ودعوات لنا بكبر العقل، أو تفتّح البصر!
فحين تريد تسجيل عقد بيع أو إيجار، في الدائرة المعنيّة، ما الرقم الذي تثبّته في الوثائق الرسميّة؟! وما هي نسبته إلى الرقم الحقيقيّ: إنّها قليلة جدّاً في الإيجار؛ أمّا في البيع فأعتقد أنّ النسبة أقلّ من ذلك بكثير! وهذا يجري بعلم القاصي والداني من مسؤولين ومحاسبين ومتعاملين ومراقبين... بل بتشجيع من معظمهم؛ كيلا تُدفع إلى الصناديق الحكوميّة ضريبة قيّمة على العقد، تعادل قيمة الأجر الشهريّ الفعليّ تقريباً؛ بدلاً من أن تعادل القيمة المدفوعة القيمة المسجّلة في الوثيقة زوراً واحتيالاً معلناً! وإذا علمت أنّ من يدفع الضريبة هو المؤجِّر أو البائع، فإنّ هذا يعني أنّ دافعها هو المستفيد منها، وليس المستأجِر الغلبان، أو المشتري التعبان! وهي حقّ للدولة منصوص عليه في القوانين؛ لكنّ الدولة بموظّفيها تتنازل عن هذا الحقّ؛ بل يسعى ممثّلوها المباشرون جاهدين لاستبعاده بشهادة زور بيّنة لا لبس فيها؛ فتصوّر أن يسجّل في عقد إيجار محلّ في وسط تجاريّ في أيّ مدينة ما لا يتجاوز بضع ألوف من الليرات؟! فهل هذا ما يتقاضاه المؤجّر حقّاً؟! والأمر ينسحب على العقارات الأغلى والأكبر والأهمّ!
إنّه مورد مهمّ وجارٍ ويوميّ ومشروع وممكن؛ بل متاح، ولا يحسّ المواطن بغلظته؛ كما يشعر بفاتورة كهرباء أو فاتورة هاتف أرضيّ أو خلويّ، تحرص الدوائر المماثلة أو الموازية أو ربّما الدوائر ذاتها، على المجاهرة بالمطالبة بها، واستيفائها بإعلانات وغرامات وتهديدات بعظائم الأمور؛ ومنها القطع اللاحق، الذي ينفّذ بعد حين، لا يطول، بلا تردّد! وهو حقّ نعترف به، ونقوم بالوفاء به؛ بالرغم من صعوبته الدوريّة الشهريّة، أو كلّ شهرين! فلماذا يُستهان بالموارد الحقةّ والواجبة والمجزية الأخرى؟!
سؤال؛ بل أسئلة لم أجد لها جواباً؛ كما لا أجد جواباً لمن يسأل مستخفّاً ومستفزّاً ومتّهماً بما لا يليق: لماذا تسجّل الرقم الحقيقيّ في الدوائر الرسميّة؟!
والأنكى والأمرّ والمُغضِب، أنّه يأتي من أصحاب الشأن في ذلك!