وصايا الحكيم لابنه

المهندس محمد صافي حسن

927

28th of September, 2019

يا بنيّ: اِقبل وصيَّتي، واحفظ مقالتي، فإنّك إن حفظتها تعش سعيداً، وتمت حميداً؛ يا بنيّ: إنّه من رضي بقسمة الحكيم استغنى، ومن مدّ عينه إلى ما في يد غيره يبست أغصانه، ومن استصغر زلّة نفسه استعظم زلّة غيره، ومن استصغر زلّة غيره استعظم زلّة نفسه. يا بنيّ: من كشف عيوب غيره انكشفت عوراته، ومن سلّ سيف البغي قتل به، ومن حفر لصديقه بئراً سقط فيها، ومن داخل السفهاء حُقِّر، ومن خالط أهل الحكمة وُقِّر، ومن دخل غرف السوء اُتهم، ومن دخل في ما لا يعنيه ذُلّ، يا بنيّ: قل الحق لك أو عليك يُرفع شأنك، وكن للمعروف عاملاً وزارعاً، وللرذائل قالعاً، وصل صديقاً قطعك، واعطِ من سألك، وإيّاك والنميمة؛ فإنّها تزرع الشحناء في قلوب الرجال، وإيّاك والتعرض لعيوب الناس، فتصبح عيوبك هدفاً، واطلب معادن الجود وأصوله، واصعد فروعه، وكل من ثماره، وتظلّل بأوراقه، وصادق الأخيار واهجر الفجّار، واعلم يقيناً أنّ العمل الصالح ثمرة العلم فاعمل بيقين، وكفّ الأذى عن الناس، ولا تغتب فتُكشَف، واقنع باليسير، ولا تعجب بنفسك فتصغر في أعين الناس، وأدّ الأمانة إلى من ائتمنك، وارضى لصديقك ما ترضاه لنفسك، واحذر عواقب عملك، ولا تَعِدنْ أخاك وعداً لا تفيه، يا بنيّ: لا مروءة لكذوب، ولا أخ لملول، ولا راحة لحسود، ولا فوز لسيء الخُلق، وثق بشجرة الحكمة بما تعطيك من ثمارها، وأحسن جارك، وشاور في أمرك، وأطع مكارم الأخلاق تُعزّ، واملك لسانك. يا بنيّ: أصدقْ الحديث، واجتهد في الكمالات الروحية بميزان الحكمة، بما يقابل ما لديك من الكمالات الحسّية الطبيعية، وطهّر بدنك بأشرف الطعام، وتصدّق على عقلك بأعظم العلوم وأنقاها، يا بنيّ: عليك بالحلم؛ لأنّه ركن العلم، واملك نفسك عند المقدرة، وكن مسامحاً واعظاً، واخلع لباس الحقد والعداوات، وارتدِ لباس المحبّة، وتظلّل بالعفّة، وليكن سلاحك العدل، واشكر من تفضّل عليك، واصبر على من أساء عليك، واطلب الرزق من بذور الحكمة، واعتدل بالقصد، وتدبّر عيشك، وتودّد إلى الخلق، وليكن سؤالك بمحبّة إلى أغصان العقل، ولا تحرص إلا لفعل المكارم، ولا تبخل إلا بالمعاصي، ولا تفرح إلا لاعتلائك قمم مكارم الأخلاق، يا بنيّ: لا تتلوّن بالمكر، ولا تتزيّن بالرياء، ولا تغفل فتخطئ، وسر على الصراط الذي ميزانه شجرة الحكمة، ولا تحزن إلا لفعل خيّر لم توفق لإنجازه، ولكلمة طيبة كان بإمكانك أن تسرّ بها صديقاً. يا بنيّ: لا تُنَل لذّة الكمالات الروحية الجوهرية إلا بفعل الخير المطلق وفق ما تقتضي الطاقة البشرية، واقتصد بلذّة الكمالات الطبيعية بقدر ما يحتاجه الكثيف لديك، يا بنيّ: أولى العلم بك الذي يصلح لك العمل به، وأوجب العمل عليك ما أنت مسؤول عن العمل به أمام الحكمة، ولا تجحد فضل من أحسن عليك؛ فتسعى إلى موت الإحسان بين الناس عن قصد أو غفلة، وكن سخيّ الخُلق، وأَعن الضعيف فهو من أفضل الأعمال، وأحسن إلى الناس؛ يُفاض عليك من ثمار العقل، واترك خيط الحشمة بينك وبين صديقك؛ فإنّ ذهابها ذهاب الحياء، ولا تستكثر الخير مهما فعلت، ولا تستقلّ الأخطاء مهما قلّت، وأنصف نفسك؛ تعدل مع الآخرين، ولا تكثر المزاح؛ فإنّه يذهب بنور عقلك، وعظّم مروءتك، وإياك والضجر والكسل؛ فإنّهما يمنعان حظّك من المحسوس والجوهر، واجتهد في حياتك، ولا تغضب فتَظلِمْ، واطلب حاجتك من ذي فضل؛ فإنّ الماء العذب لا يُنهل إلا من النبع السلسبيل، وقلّل من القيل والقال، وإضاعة الوقت، وتبذير المال في صغائر الأحوال، ولا تسأل إلا عالمٌ بما تريد، وكن كريماً في طبعك، سخيّاً في نفسك، وفيّاً في عهدك وميثاقك، رصيناً في خُلقك، نبيلاً في روحك، خائفاً من عواقب عملك، أوصيك بالسخاء؛ لأنّه شجرة عالم العقل، وغصنٌ من أغصان شجرة مكارم الأخلاق، فأوصيك وأوصيك بالتعلّق بكلّ غصن من أغصانها، تمّت الوصايا.

آخر المواضيع
الأكثر قراءة
فيدوهات مختارة